فصل: الفصل الحادي عشر معرفة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول (نسخة منقحة)



.الفصل الحادي عشر معرفة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم:

فَصْلٌ: فِي مَعْرِفَةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَبْلِيغِهِ الرِّسَالَةَ وَإِكْمَالِ اللَّهِ لَنَا بِهِ الدِّينَ، وَأَنَّهُ خَاتَمُ الْنَبِيِّينَ، وَأَفْضَلُ الْخَلْقِ أَجْمَعِينَ، وَأَنَّ مَنِ ادَّعَى النُّبُوَّةَ بَعْدَهُ فَهُوَ كَاذِبٌ يُكَفَّرُ مَنْ صَدَّقَهُ وَاتَّبَعَهُ:
نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ مِنْ هَاشِمِ ** إِلَى الذَّبِيحِ دُونَ شَكٍّ يَنْتَمِي

.(نَسَبُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ):

(نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مِنْ) وَلَدِ (هَاشِمٍ) وَهُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبُو الْقَاسِمِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَاسْمُهُ شَيْبَةُ الْحَمْدِ بْنُ هَاشِمٍ وَاسْمُهُ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ وَاسْمُهُ مُغِيرَةُ بْنُ قُصَيٍّ وَاسْمُهُ زَيْدُ بْنُ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ بْنِ إِلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعَدَ بْنِ عَدْنَانَ.
وَأُمُّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آمِنَةُ بِنْتُ وَهْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ.
وَأُمُّ عَبْدِ اللَّهِ فَاطِمَةُ بِنْتُ عَمْرِو بْنِ عَائِذِ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ.
وَأُمُّ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ سَلْمَى بِنْتُ عَمْرِو بْنِ زَيْدِ بْنِ لَبِيدِ بْنِ خِدَاشِ بْنِ عَامِرِ بْنِ غَنْمِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ.
وَأُمُّ هَاشِمٍ عَاتِكَةُ بِنْتُ مُرَّةَ بْنِ هِلَالٍ.
وَأُمُّ عَبْدِ مَنَافٍ حُبَّى بِنْتُ حَلِيلِ بْنِ حَبَشِيَّةَ بْنِ سَلُولَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَمْرٍو الْخُزَاعِيِّ.
وَأُمُّ قُصَيٍّ فَاطِمَةُ بِنْتُ سَعِيدِ بْنِ سَيْلٍ أَحَدُ الْجُدَرَةُ مِنْ جَعْثَمَةَ الْأَسَدِ مِنَ الْيَمَنِ.
وَأُمُّ كِلَابٍ هِنْدُ بِنْتُ سَرِيرِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مَالِكِ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ.
وَأُمُّ مُرَّةَ حَبَشِيَّةُ بِنْتُ شَيْبَانَ بْنِ مُحَارِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ.
وَأُمُّ كَعْبٍ مَاوِيَّةُ بِنْتُ كَعْبِ بْنِ الْقَيْنِ بْنِ الْجِسْرِ مِنْ قُضَاعَةَ.
وَأُمُّ لُؤَيٍّ سَلْمَى بِنْتُ عَمْرٍو الْخُزَاعِيِّ.
وَأُمُّ غَالِبٍ لَيْلَى بِنْتُ سَعْدِ بْنِ هُذَيْلِ بْنِ مُدْرِكَةَ.
وَأُمُّ فِهْرِ بْنِ مَالِكٍ جَنْدَلَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ مُضَاضٍ الْجُرْهُمِيِّ.
وَأُمُّ مَالِكٍ عَاتِكَةُ بِنْتُ عَدْوَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ قَيْسِ بْنِ عَيْلَانَ.
وَأُمُّ النَّضْرِ بَرَّةُ بِنْتُ مُرِّ بْنِ أَدِّ بْنِ طَابِخَةَ بْنِ إِلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ وَأُمُّ كِنَانَةَ عِوَانَةُ بِنْتُ سَعْدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَيْلَانَ بْنِ مُضَرَ.
وَأُمُّ خُزَيْمَةَ اِمْرَأَةٌ مِنْ قُضَاعَةَ.
وَأُمُّ مُدْرِكَةَ بْنِ إِلْيَاسَ خَنْدَفُ بِنْتُ عِمْرَانَ بْنِ الْحَافِّ بْنِ قُضَاعَةَ.
وَأُمُّ إِلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ جُرْهُمِيَّةٌ.
وَأُمُّ مُضَرَ سَوْدَةُ بِنْتُ عَكِّ بْنِ عَدْنَانَ.
وَأُمُّ رَبِيعَةَ أَخِي مُضَرَ شَقِيقَةُ بِنْتُ عَكِّ بْنِ عَدْنَانَ، وَهَاتَانِ الْقَبِيلَتَانِ الْمَضْرُوبُ بِهِمَا الْمَثَلُ-رَبِيعَةُ وَمُضَرُ- ابْنَا نِزَارِ بْنَ مَعَدَ بْنِ عَدْنَانَ. وَلِمُضَرَ أَخٌ شَقِيقٌ وَهُوَ إِيَادُ بْنُ نِزَارٍ، وَلِرَبِيعَةَ أَخٌ شَقِيقٌ أَيْضًا وَهُوَ أَنْمَارُ بْنُ نِزَارٍ.
وَهَذَا هُوَ النَّسَبُ الْمُتَّفَقُ عَلَى سَرْدِهِ، لَا خِلَافَ فِيهِ لِأَحَدٍ. وَكَذَا لَا خِلَافَ فِي أَنَّ نَسَبَ عَدْنَانَ إِلَى الذَّبِيحِ إِسْمَاعِيلَ الْحَلِيمِ ابْنِ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ. وَكَذَا لَا خِلَافَ فِي أَنَّ إِبْرَاهِيمَ يَنْتَمِي إِلَى سَامِ بْنِ نُوحٍ وَهُوَ أَبُو الْعَرَبِ قَاطِبَةً، وَكَذَا لَا خِلَافَ فِي أَنَّ نُوحًا يَنْتَمِي إِلَى شِيثِ بْنِ آدَمَ وَهُوَ وَصِيُّ أَبِيهِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ. وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي كَمِّيَّةِ الْآبَاءِ بَيْنَ عَدْنَانَ وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، وَبَيْنَ إِبْرَاهِيمَ وِسَامِ بْنِ نُوحٍ، وَبَيْنَ نُوحٍ وَشِيثِ بْنِ آدَمَ. وَقَدْ كَانَ كَثِيرٌ مِنْ أَئِمَّةِ الدِّينِ-كَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ الْإِمَامِ وَغَيْرِهِ- يَكْرَهُونَ تَعْدَادَ الْآبَاءِ مِنْ فَوْقِ عَدْنَانَ. وَيَقُولُونَ: هُمْ رَجْمٌ بِالْغَيْبِ، وَمَا يَدْرِي مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ، وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا} [الْفُرْقَانِ: 38]، وَقَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ رَحِمَهُ اللَّهُ: كَانَ قَوْمٌ مِنَ السَّلَفِ-مِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بن مسعود وعمرو بْنُ مَيْمُونَ الْأَوْدِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعَّبٍ الْقُرَظِيُّ- إِذَا تَلَوَا {وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ} [إِبْرَاهِيمَ: 9]، قَالُوا: كَذَبَ النَّسَّابُونَ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ كَانَ إِذَا بَلَغَ عَدْنَانَ يَقُولُ: كَذَبَ النَّسَّابُونَ.
قَالَ السُّهَيْلِيُّ: وَقَدْ رَأَى جَمَاعَةٌ جَوَازُ ذَلِكَ، مِنْهُمُ ابْنُ إِسْحَاقَ وَالْبُخَارِيُّ وَالزَّبِيرُ بْنُ بَكَّارٍ وَالطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ، قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَالَّذِي عَلَيْهِ أَئِمَّةُ هَذَا الشَّأْنِ فِي نَسَبِ عَدْنَانَ قَالُوا: عَدْنَانُ بْنُ أَدَدَ بْنِ مُقَوِّمِ بْنِ نَاحُورَ بْنِ تَيْرَحَ بْنِ يَعْرُبَ بْنِ يَشْجُبَ بْنِ نَابِتِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ.
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْرَجَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ أَوْسَطِ الْعَرَبِ نَسَبًا وَأَكْرَمِهِمْ حَسَبًا، وَأَعْلَاهُمْ كَعْبًا، وَأَعْظَمِهِمْ جُرْثُومَةً، وَأَشْرَفِهِمْ أَصْلًا وَأَطْيَبِهِمْ فَرْعًا.
وَقَالَ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ الرَّازِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَهْمٍ جَمِيعًا عَنِ الْوَلِيدِ.
قَالَ ابْنُ مِهْرَانَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ أَبِي عَمَّارٍ شَدَّادٍ أَنَّهُ سَمِعَ وَاثِلَةَ بْنَ الْأَسْقَعِ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ وَاصْطَفَى قُرَيْشًا مِنْ كِنَانَةَ وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ».
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ قُرَيْشًا جَلَسُوا فَتَذَاكَرُوا أَحْسَابَهُمْ بَيْنَهُمْ فَجَعَلُوا مَثَلَكَ مَثَلَ نَخْلَةٍ فِي كَبْوَةٍ مِنَ الْأَرْضِ. فَقَالَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ الْخَلْقَ فَجَعَلَنِي مِنْ خَيْرِ فِرَقِهِمْ وَخَيْرِ الْفَرِيقَيْنِ، ثُمَّ خَيْرِ الْقَبَائِلِ فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِ قَبِيلَةٍ، ثُمَّ خَيْرِ الْبُيُوتِ فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِ بُيُوتِهِمْ، فَأَنَا خَيْرُهُمْ نَفْسًا وَخَيْرُهُمْ بَيْتًا». وَفِي رِوَايَةٍ فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ: «مَنْ أَنَا؟» فَقَالُوا: أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْكَ السَّلَامُ.
قَالَ: «أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ الْخَلْقَ فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِهِمْ، ثُمَّ جَعَلَهُمْ فِرْقَتَيْنِ فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِهِمْ فِرْقَةً، ثُمَّ جَعَلَهُمْ قَبَائِلَ فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِهِمْ قَبِيلَةً، ثُمَّ جَعَلَهُمْ بُيُوتًا فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِهِمْ بَيْتًا وَخَيْرِهِمْ نَفْسًا» هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَحَمَى اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أُصُولَ نَبِيِّنَا مِنْ سِفَاحِ الْجَاهِلِيَّةِ فَلَمْ يَشُبْ نَسَبَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَا مِنْ جِهَةِ آبَائِهِ وَلَا مِنْ جِهَةِ أُمَّهَاتِهِ وَلَمْ يُولَدْ إِلَّا مِنْ نِكَاحٍ كَنِكَاحِ الْإِسْلَامِ كَمَا رَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ عَنْ آبَائِهِ مَرْفُوعًا «إِنِّي وُلِدْتُ مِنْ نِكَاحٍ وَلَمْ أُولَدْ مِنْ سِفَاحٍ».

.مَوْلِدُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

وَكَانَ مَوْلِدُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفِيلِ كَمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: وُلِدْتُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عام الفيل. قال: وَسَأَلَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ قُبَاثَ بْنَ أَشْيَمَ أَخَا بَنِي يَعْمَرَ بن ليث: أنت أَكْبَرُ أَمْ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنِّي، وَأَنَا أَقْدَمُ مِنْهُ فِي الْمِيلَادِ.
قَالَ: وَرَأَيْتُ خَذْقَ الْفِيلِ أَخْضَرَ مُحِيلًا.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ.
مَوْلِدُهُ بِمَكَّةَ الْمُطَهَّرَهْ ** هِجْرَتُهُ لِطِيبَةَ الْمُنَوَّرَهْ

بَعْدَ أَرْبَعِينَ بَدَا الْوَحْيُ بِهِ ** ثُمَّ دَعَا إِلَى سَبِيلِ رَبِّهِ

عَشْرَ سِنِينَ أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا ** رَبًّا تَعَالَى شَأْنُهُ وَوَحِّدُوا

وَكَانَ قَبْلَ ذَاكَ فِي غَارِ حِرَا ** يَخْلُو بِذِكْرِ رَبِّهِ عَنِ الْوَرَى

(مَوْلِدُهُ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (بِمَكَّةَ الْمُطَهَّرَهْ) مِنْ كُلِّ رِجْسٍ حِسًّا وَمَعْنًى (هِجْرَتُهُ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لِطِيبَةَ) الْمَدِينَةِ (الْمُنَوَّرَةِ) وَكَانَ ذَلِكَ مَوْجُودًا فِي الصُّحُفِ الَّتِي بَشَّرَتْ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَغَيْرِهِمَا، وَالْآيَاتُ فِي ذَلِكَ وَالدَّلَائِلُ عَلَى ذَلِكَ لَا تُحْصَى. ثُمَّ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا بَشَّرَتْ، فَوُلِدَ بِمَكَّةَ وَأُوحِيَ إِلَيْهِ فِيهَا وَبُعِثَ بِالدَّعْوَةِ إِلَى اللَّهِ فِيهَا. ثُمَّ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى الْمَدِينَةِ كَمَا سَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ.

.بَدْءُ الْوَحْيِ:

(بَعْدَ أَرْبَعِينَ) سَنَةً مِنْ عُمْرِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (بَدَأَ الْوَحْيُ) مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِ (بِهِ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَبْعَةً مِنَ الْقَوْمِ، لَيْسَ بِالطَّوِيلِ الْبَائِنِ وَلَا بِالْقَصِيرِ، أَزْهَرَ اللَّوْنِ، لَيْسَ بِأَبْيَضَ أَمْهَقَ وَلَا آدَمَ، لَيْسَ بِجَعْدٍ قَطَطٍ وَلَا سَبْطٍ رَجِلٍ، بَعَثَهُ اللَّهُ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ سَنَةً فَأَقَامَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ» الْحَدِيثَ.
وَكَيْفِيَّةُ بَدْءِ الْوَحْيِ مَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أم المؤمنين رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ: أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ فِي النَّوْمِ، فَكَانَ لَا يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ. ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلَاءُ، وَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ-وَهُوَ التَّعَبُّدُ- اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ قَبْلَ أَنْ يَنْزِعَ إِلَى أَهْلِهِ وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ. ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا، حَتَّى جَاءَهُ الْحَقُّ وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ فَجَاءَهُ الْمَلَكُ فَقَالَ: اقْرَأْ.
قَالَ: «مَا أَنَا بِقَارِئٍ».
قَالَ: «فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فقال: اقرأ. فقلت: مَا أَنَا بِقَارِئٍ. فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ. ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: اقْرَأْ. فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ. فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ} [الْعَلَقِ: 1-3]» فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْجُفُ فُؤَادُهُ، فَدَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ فَقَالَ: «زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي»، فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ، فَقَالَ لِخَدِيجَةَ وَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ: «لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي». فَقَالَتْ خَدِيجَةُ: كلا والله لا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا؛ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ وَتَحْمِلُ الْكَلَّ وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ. فَانْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حَتَّى أَتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى ابْنَ عَمِّ خديجة وكان امرءا قَدْ تَنَصَّرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ الْعِبْرَانِيَّ، فَيَكْتُبُ مِنَ الْإِنْجِيلِ بِالْعِبْرَانِيَّةِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكْتُبَ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِيَ، فَقَالَتْ له خديجة: يابن عَمِّ اسْمَعْ مِنِ ابْنِ أَخِيكَ. فَقَالَ له ورقة: يابن أَخِي مَاذَا تَرَى؟ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَرَ مَا رَأَى. فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُوسَى، يَا ليتني فيها جذع. لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَوَمُخْرِجِيَّ هُمْ؟» قَالَ: نَعَمْ. لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا عُودِيَ. وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا. ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ وَرَقَةُ أَنْ تُوُفِّيَ وَفَتَرَ الْوَحْيُ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَأَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيَّ قَالَ وَهُوَ يُحَدِّثُ عَنْ فَتْرَةِ الْوَحْيِ. فَقَالَ فِي حَدِيثِهِ: «بَيْنَا أَنَا أَمْشِي إِذْ سَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ فَرَفَعْتُ بَصَرِي فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، فَرُعِبْتُ مِنْهُ، فَرَجَعْتُ فَقُلْتُ: زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} [الْمُدَّثِّرِ: 1-5]، فَحَمِيَ الْوَحْيُ وَتَتَابَعَ». تَابَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ وَأَبُو صَالِحٍ وَتَابَعَهُ هِلَالُ بْنُ رَدَّادٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ.
وَقَالَ يُونُسُ وَمَعْمَرٌ (بَوَادِرُهُ). حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ أَبِي عَائِشَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} [الْقِيَامَةِ: 16].
قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَالِجُ مِنَ التَّنْزِيلِ شِدَّةً وَكَانَ مِمَّا يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فأنا أحركهما لك كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَرِّكُهُمَا.
وَقَالَ سَعِيدٌ: وأنا أُحَرِّكُهُمَا كَمَا رَأَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يُحَرِّكُهُمَا. فَحَرَّكَ شَفَتَيْهِ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} [الْقِيَامَةِ: 16-17].
قَالَ جمعه لك بصدرك وَتَقْرَأُهُ {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} [الْقِيَامَةِ: 18].
قَالَ: فَاسْتَمِعْ لَهُ وَأَنْصِتْ {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [الْقِيَامَةِ: 19]، ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا أَنْ تَقْرَأَهُ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا أَتَاهُ جِبْرِيلُ اسْتَمَعَ فَإِذَا انْطَلَقَ جِبْرِيلُ قَرَأَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا قَرَأَهُ. وَقَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ رَضِيَ عَنْهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ يَأْتِيكَ الْوَحْيُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَحْيَانًا يَأْتِينِي مِثْلَ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَيَّ، فَيُفْصَمُ عَنِّي وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْهُ مَا قَالَ، وَأَحْيَانًا يَتَمَثَّلُ لِي الْمَلَكُ رَجُلًا فَيُكَلِّمُنِي فَأَعِي مَا يَقُولُ» قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْوَحْيُ فِي الْيَوْمِ الشَّدِيدِ الْبَرْدِ فَيَفْصِمُ عَنْهُ وَإِنَّ جَبِينَهُ لَيَتَفَصَّدُ عَرَقًا».